فصل: مسألة إمام نسي القراءة في ركعتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة مسافر دخل في صلاة قوم يظنهم مسافرين فتبين أنهم مقيمون:

وسئل: عن مسافر دخل في صلاة قوم وهو يظنهم مسافرين فصلى معهم ركعتين ثم تبين له أنهم مقيمون سبقوه بركعتين، فقال: يسلم ويصلي صلاته صلاة مسافر.
قلت له: ولو مر بقوم فدخل في صلاتهم فصلى معهم ركعتين ثم سلموا فلم يدر أمقيمين كانوا أم مسافرين؟ قال: يتم صلاة مقيمين أربعا، ثم يقوم فيصلي صلاة مسافر.
قلت: فما فرق بينهما؟ لأي شيء قطع في الأولى ولم تأمره أن يقطع في هذه؟ قال: لأنه نوى بالأولى ركعتين.
قال محمد بن رشد: قوله لأنه نوى بالأولى ركعتين- يبين أنه دخل في الثانية معهم وهو يظنهم مقيمين، وذلك بين، إذ لو دخل معهم وهو يظنهم مسافرين لسلم بسلامهم على أصله ثم أعاد.
وقد تقدمت هذه المسألة والقول فيها موعبا في آخر رسم من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة دخل في صلاة الجمعة وقد فاتته ركعة ولم يدر أخطب الإمام أم لا:

قيل لسحنون: فلو أن رجلا دخل في صلاة الإمام يوم الجمعة وقد سبقه بركعة ولم يدر أخطب الإمام أم لا، فلما سلم الإمام وانفض الناس عنه فلم يجد من يخبره إن كان اختطب الإمام أم لا، فقال: يصلي ركعة ثم يسلم، فإن كانت جمعة أجزأت عنه، وإن لم يجد من يخبره أنها جمعة صلاها ظهرا أربعا احتياطا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه دخل مع الإمام وهو يرى أنها جمعة، فوجب أن يأتي بركعة رجاء أن تكون له جمعة، ثم يعيد مخافة أن لا يكون الإمام خطب فلا تصح له جمعة.
ولو دخل معه وهو يظنه يصلي الظهر ثم يشك في أن يكون في الجمعة وقد اختطب لوجب على قياس المسألة التي قبلها أن يتم على الركعة التي صلى مع الإمام أربعا، ثم يعيد ثانية مخافة أن يكون الإمام مصليا للجمعة، وبالله التوفيق.

.مسألة القوم يصلي بهم الجمعة عبد:

وسألته: عن القوم يصلي بهم الجمعة عبد، قال: إن ذكروا في الوقت أعادوا الجمعة ركعتين بخطبة، وإن لم يذكروا ذلك حتى يخرجوا من الوقت أعادوا ظهرا أربعا.
قلت: فما وقتها؟ قال: النهار كله إلى قدر ما تصلي به الجمعة ركعتين ومن العصر ركعة.
قال الإمام: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في آخر رسم من سماع ابن القاسم فقف عليه هناك.

.مسألة ركع ركعتين من صلاة الظهر فذكر أنه سها عن سجدة من الأولى:

وسألت ابن القاسم عن رجل ركع ركعتين من صلاة الظهر فذكر أنه سها عن سجدة من الركعة الأولى، أيمضي في صلاته ويقضي صلاة الركعة التي نسي منها سجدة في آخر صلاته أو يقضيها في الموضع الذي يذكرها فيه وإن كان ذكره إياها وهو قائم في الثانية، أو ما ترى؟
قال: إن ذكرها في الركعة الثانية في تشهده فإنه يركع ركعة بسجدتيها يقرأ فيها بأم القرآن وسورة معها، ثم يقعد ويتشهد ويجعلها ثانية ويلغي الأولى ويسجد بعد السلام؛ لأن من نسي سجدة من ركعة فلم يذكرها حتى رفع رأسه من الركعة التي بعدها ألغى تلك الركعة التي نسي منها السجدة وصلى ركعة مكانها، وإن ذكرها في الثالثة بعدما رفع رأسه من الركوع جعلها ثانية وسجد سجدتين قبل السلام.
وقد كان مالك يقول فيها بعد السلام، إلا أنه لما ترك السجدة الأولى ولم يقعد في الثالثة التي هي له ثانية وقضى بعد الفراغ ركعة بسجدتيها كان قد اجتمع عليه سهوان زيادة ونقصان، والنقصان أولى بالسجود، وهو وجه ما استحسناه وتكلمنا فيه.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة مبنية على المشهور في المذهب من أن ما بطل على الفذ وعلى الإمام ومن معه من ركعة بإسقاط السجود أو الركوع منها أو قراءة الحمد على مذهب من يقول بالإلغاء حتى فاته إصلاحها، يلغيها ويبني على ما صح له، ولا يقضي الركعة التي بطلت عليه بعينها بعد تمام صلاته، خلافا لقول ابن وهب في رسم القطعان من هذا السماع أنه يقضي ما بطل عليه بعد تمام صلاته ولا يبني.
وقوله فلم يذكرها حتى رفع رأسه من الركعة التي بعدها ألغى تلك الركعة، هو مثل ما في المدونة من أن عقد الركعة رفع الرأس من الركوع.
وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب.
وقول ابن القاسم إنه إذا لم يذكر السجدة من الأولى حتى قام من الثانية: إن سجوده قبل السلام هو الأظهر لتغليب حكم النقصان عند اجتماع الزيادة والنقصان، وما حكي عن مالك من أنه قد كان يقول فيها بعد السلام، ضعفه ابن لبابة، وقال: لعل مالكا إنما قال ذلك فيمن ذكر وهو جالس في الرابعة سجدة لا يدري من أي ركعة، فخر إلى سجدة ثم أتى بركعة؛ لأنه على يقين من الزيادة وشك من النقصان، فاشتبه ذلك على ابن القاسم.
وابن القاسم أعلم بما حكى عن مالك وأجل من أن يحمل عليه الغلط، فهو اختلاف من قوله، وإن كان تغليب حكم النقصان هو المشهور عنه فمرة غلب الزيادة ومرة غلب النقصان، إذ من أهل العلم من يرى السجود في السهو كله بعد السلام، كان زيادة أو نقصانا، ومنهم من يراه كله قبل السلام كان زيادة أو نقصانا.
وقد وقع له في المدونة في الذي يصلي النافلة خمسا دون سلام ساهيا يسجد بعد السلام، وهو مثل ما حكي عنه في هذه الرواية؛ لأنه نقص السلام وزاد الركعة.
وقول ابن القاسم في آخر المسألة: وقضى بعد الفراغ ركعة بسجدتيها، لفظ ليس على ظاهره؛ لأنه بان وليس بقاض، فتدبر ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة لا ينبغي لأحد أن يؤم الناس قاعدا:

قال: وقال مالك: لا ينبغي لأحد أن يؤم الناس قاعدا.
قال: ومن نزل به شيء وهو إمام قائم حتى لا يستطيع أن يصلي بهم إلا قاعدا، فليستخلف غيره يصلي بالقوم ويرجع هو إلى الصف فيصلي بصلاة الإمام مع القوم.
قال مطرف وابن الماجشون: إن صلى بهم قاعدا أجزأته صلاته، وعليهم الإعادة أبدا، اختلف فيها قول مالك، وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم في المرضى والمقاعد أنه لا بأس أن يؤمهم رجل منهم قاعدا.
وذكر سحنون في روايته أنه لا يجوز لأحد أن يؤم قاعدا بعد ما كان من فعل النبي عليه السلام، ومن أم قاعدا أجزأته وأعاد القوم.
قال محمد بن أحمد: قد مضى القول فيما جاء في إمامة المريض الجالس بالأصحاء قياما، وما في ذلك من الاختلاف في رسم سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سماع ابن القاسم موعبا، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا.
وأما إمامة المريض جالسا بالمرضى الذين لا يقدرون على القيام جلوسا فلا خلاف عندي في جواز ذلك.
وما في رواية سحنون من قوله إنه لا يجوز لأحد أن يؤم قاعدا، معناه بالأصحاء قياما، بدليل استشهاده بفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد ما روي: من أنه ائتم بأبي بكر في مرضه ولم يكن هو الإمام، وساقها ابن أبي زيد في النوادر سياقة تدل على أنها في إمامة المريض بالمرضى، وذلك وهم، والله أعلم.

.مسألة قهقه الإمام متعمدا:

قال ابن القاسم: إذا قهقه الإمام متعمدا أعاد الصلاة وأعادوا، وإن كان مغلوبا قدم غيره فأتم بهم ويتم هو الصلاة معهم، ثم يعيد إذا فرغوا في بعض الروايات ويعيدون.
قال محمد بن رشد: قوله وإن كان مغلوبا قدم غيره، يدل على أنه إن لم يكن مغلوبا لم يصح له التقديم ويقطع ويقطعون ويستأنفون الصلاة.
فمعنى قوله إذا قهقه الإمام متعمدا أعاد الصلاة وأعادوا، أي قطع وقطعوا واستأنفوا الصلاة من أولها. ويريد بقوله متعمدا أي متعمدا لفعلها قادرا على الإمساك عنها. ولا اختلاف في هذا أنه قد أبطل صلاته وصلاة من خلفه إن كان إماما فيقطع ولا يتمادى عليها، فذا كان أو إماما أو مأموما.
وروي عن يحيى بن عمر أنه قال: قوله وإن كان مغلوبا لا يعجبني إلى آخره، ولا وجه لإنكاره؛ لأن قوله يقدم غيره ويتم معهم صحيح على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وفى رسم البراءة بعد هذا في أن المأموم يتمادى مع الإمام ولا يقطع، فإذا لم يقطع المأموم لأجل فضل الجماعة التي قد دخل فيها فالإمام بمنزلته؛ لأنه يحوط من فضل الجماعة ما يحوطه هو والقوم الذين وراءه بذلك أولى وأحرى.
والأظهر أنه لا إعادة عليهم، وهو ظاهر ما في الواضحة لمالك من رواية مطرف عنه.
وأما هو فيعيد على أصله في المدونة، وقوله في المأموم: وذهب الفضل إلى أنه إذا قدم من يتم بهم الصلاة يقطع هو ويدخل معهم؛ لأن الصلاة قد فسدت عليه لضحكه فيها، فهو بخلاف الذي يعرض له في صلاته ما يقعده، هذا يتم صلاته مع الذي يستخلفه؛ لأنه لم يستخلف لفساد دخل عليه في صلاته، وإنما استخلف لإصلاح صلاة القوم، وهذا لا يلزم، إذ لا يقطع بفساد صلاته، ولذلك يؤمر المأموم بالتمادي عليها.
وكذلك الناسي كالمغلوب يقدم إن كان إماما ويتمادى مع الإمام إن كان مأموما، قاله ابن حبيب في الواضحة، وروايته عن مالك في رسم البراءة من هذا السماع؛ لأنه ساوى فيه بين المتعمد والناسي في أنهما يتماديان مع الإمام إن كانا مأمومين، يريد بالمتعمد الذي يتعمد النظر في صلاته أو الاستماع إلى ما يضحكه فيغلبه الضحك فيها. وأما الذي يضحك مختارا للضحك ولو شاء أن يمسك لأمسك فلا اختلاف في أنه قد أبطل على نفسه صلاته؛ لأن الضحك أشد في إبطال الصلاة من الكلام، لما فيه من اللهو وقلة الوقار ومفارقة الخشوع، ولذلك لم يعذر فيه بالغلبة ولا بالنسيان عند ابن القاسم، خلافا لسحنون في قوله: إن الضحك ناسيا بمنزلة الكلام ناسيا.
ولابن المواز أيضا: إذا صح نسيانه مثل أن ينسى أنه في صلاة، فإذا أبطلها الكلام متعمدا باتفاق، فأحرى أن تبطلها القهقهة تعمدا.
وقد قال إسماعيل القاضي: إن الكلام في قطع الصلاة أبين من الضحك، ألا ترى أن التبسم لا يقطعها وإنما تقطعها القهقهة؛ لأنه يصير فيها ما يشبه حروف الكلام، والأول أبين في أن القهقهة أبين في قطع الصلاة من الكلام، والله أعلم.
وقال ابن كنانة: يستخلف الإمام إذا ضحك في صلاته متعمدا ويقطع ويدخل مع القوم ويقضي إذا سلم مستخلفه ما بقي من صلاته، فإن كان يريد أنه تعمد النظر إلى ما يضحكه فغلبه الضحك فهو الذي ذهب إليه الفضل، وإن كان يريد أنه تعمد الضحك ولم يغلب عليه فهو شذوذ، وبالله التوفيق.

.مسألة القاعد لا يومئ بالسجود إلا من علة:

ومن كتاب العرية:
قال: ولا يومئ القاعد بالسجود إلا من علة، فإن أومأ في النوافل من غير علة أجزأ عنه.
قال عيسى: لا يومئ من غير علة ولا عذر في نافلة ولا مكتوبة.
قال محمد بن أحمد: قوله إن القاعد لا يومئ بالسجود إلا من علة، يريد في الفريضة، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن السجود فرض كالقيام، فلا يسقط عنه إلا بعدم القدرة عليه.
وإنما قال: إن له أن يومئ في النوافل من غير علة لما جاء من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد».
ومعلوم أنه من صلى نائما فإنه يومئ بالركوع والسجود. فإذا جاز أن يترك القعود والسجود مع القدرة عليهما جاز أن يترك السجود دون القعود.
وأما قول عيسى إنه لا يومئ في النافلة من غير عذر ولا علة بناء على ترك الأخذ بالحديث مثل قول مالك في المدونة: إنه لا يصلي مضطجعا إلا مريض، فلا يجوز ترك الجلوس ولا السجود إلا من علة، ويحتمل أن يكون لا يجيز الإيماء بالسجود مع القدرة عليه إلا لمن صلى مضطجعا؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من صلى قاعدا فله نصف أجر صلاة القائم»، فكان معناه عند أهل العلم جميعا: من صلى قاعدا وساجدا، إذ لم يعلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحدا من سلف الأمة ترك السجود في صلاة النافلة مع القدرة عليه كما ترك القيام فيها مع القدرة عليه.
وإذا لم تكن صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم إلا مع السجود، فلا تكون صلاة القائم مثل نصف صلاة القاعد إلا مع عدم القدرة على السجود، والله أعلم.

.مسألة النكاح يعقد بعد قعود الإمام يوم الجمعة:

وسألته: عن النكاح يعقد بعد قعود الإمام يوم الجمعة، أيفسخ؟
قال: لا، هو جائز دخل أو لم يدخل، النكاح والصدقة والهبة جائزة نافذة في تلك الساعة إلا البيع.
قال أصبغ: فإن اشترى سلعة بعد قعود الإمام على المنبر فباعها بربح لم يجز له أن يأكل ذلك الربح، ويتصدق به أحب إلي، وهو قول ابن القاسم.
قال أصبغ: ولا يعجبني قوله في النكاح وأرى أن يفسخ، وهو عندي بيع من البيوع.
قال القاضي: وجه قول ابن القاسم إن العلة في فسخ البيع لما كانت مطابقة للنهي لم يفسخ النكاح إذ لم تتعد إليه العلة، ووجه قول أصبغ: قياس النكاح على البيع في الفسخ بالمعنى الجامع بينهما، كما يقاس عليه في المنع ويفسخ عند أصبغ ولو فات بالدخول، ويكون لها الصداق المسمى، حكاه ابن مزين عنه.
وهذا على القول بأن البيع إذا فات مضى بالثمن ولم يرد إلى القيمة.
وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم.
وقوله: لم يجز له أن يأكل ذلك الربح- لفظ ليس على ظاهره ويقضي عليه آخر الكلام، قوله: وأحب إلي أن يتصدق به؛ لأن الربح له حلال على قياس المذهب في انعقاد البيع وانتقال الملك به إليه وكون الضمان منه إن تلفت السلعة. فلو قال: وأحب إلي أن يدفع الربح إلى البائع إن وجده أو يتصدق به عنه إن لم يجده؛ لكان وجه القول والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم دخل عليه حدث فخرج وقدم رجلا:

ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه:
وسألته: عن رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم دخل عليه حدث فخرج وقدم رجلا فتوضأ ثم انصرف فأخرج الذي قدم وتقدم، هل تجزئ عنهم صلاتهم؟
قال: قد جاء الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أنه جاء وأبو بكر يصلي بالناس فسبح الناس بأبي بكر فتأخر وتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»- فأنا أرى أن يصلي بهم بقية صلاتهم، ثم يجلسون حتى يتم هو لنفسه ثم يسلم ويسلمون.
قلت: فلو كان ذكر قبح ما صنع بعد أن صلى ركعة؟ قال: يخرج ويقدم الذي أخرج.
قلت: فإن لم يجده؟ قال: فليقدم غيره ممن أدرك الصلاة كلها.
قلت: أرأيت أنه لو أخرج هذا ودخل ابتدأ لنفسه صلاة نفسه ولم يتبع صلاة الإمام إن كان قد سبقه الناس بركعة لم يجلس هو حتى صلى لنفسه ركعتين ثم جلس، أترى صلاتهم تجزئهم أم لا؟ قال: أرى أن لا إعادة عليهم، اتبعوه أم لم يتبعوه.
قال القاضي: الحديث الذي أشار إليه ابن القاسم هو حديث يوم بني عمرو بن عوف إذ ذهب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصلح بينهم، فجاء وأبو بكر يصلي للناس فأشار إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمكث مكانه فلم يفعل برا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستأخر فتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معناه: أنه تقدم أمام الناس فصلى أمام الناس فصلى مؤتما بأبي بكر لا إماما بالناس، ولو صح أنه تقدم فصلى بالناس ما بقي من صلاتهم لكان ذلك خاصا له أو منسوخا من فعله بما فعله في مرضه، إذ جاء وأبو بكر يصلي فصلى إلى جنبه مؤتما به على الصحيح من التأويلات في الحديث، وإنما أجاز ابن القاسم صلاتهم إذا صلى لهم بقيتها؛ لأنه ابتدأها بهم فراعى مذهب أهل العراق في إجازة البناء في الحدث.
وأما لو لم يبتدئ بهم الصلاة فجاء وهم يصلون فأخرج الإمام وتقدم فصلى بهم بقية صلاتهم لبطلت صلاتهم أجمعين باتفاق، أما هم فمن أجل أنهم أحرموا قبل إمامهم، وأما هو فمن أجل أنه ابتدأ صلاته من وسطها.
والصحيح على المذهب أن صلاتهم باطلة؛ لأنه بالحدث يخرج عن الصلاة، فإذا توضأ وانصرف فأخرج الذي قدم وتقدم هو صار مبتدئا لصلاته من وسطها، وصاروا هم مؤتمين به وقد أحرموا قبله، وذلك مبطل لصلاتهم إلا على مذهب من يرى صلاة القوم غير مرتبطة بصلاة الإمام.
وهذا إذا كان حين انصرف أحرم بعد أن أخرج الذي كان قدم على ظاهر الرواية الذي هو كالمنصوص فيها.
ولو تأول متأول أنه لما انصرف أحرم خلف الإمام الذي قدمه ثم أخرجه بعد ذلك عن الإمامة وتقدم هو موضعه لصح جواب ابن القاسم على تأويله، وإن كان تأويلا بعيدا عن الظاهر.
وكذلك لو حمل ما في الحديث من استيخار أبي بكر وتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنه إنما تقدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكانه بعد أن أحرم وراءه ودخل معه في الصلاة لصح بذلك معنى الحديث واستقام بناء المذهب عليه.

.مسألة لا يصلح للحائض أن تمسك المريض للصلاة ولا ترقده:

قال ابن القاسم: لا يصلح للحائض أن تمسك المريض للصلاة ولا ترقده، فإن فعلت أعاد في الوقت.
قال محمد بن رشد: إنما هذا من أجل أن ثياب الحائض في الأغلب غير طاهرة ولو أيقن بطهارة ثيابها لم تجب عليه إعادة.

.مسألة الغريق يصلي عريانا ثم يجد ثوبا وهو في الوقت:

وسألت ابن القاسم: عن الغرق يصلي عريانا ثم يجد ثوبا وهو في الوقت، هل يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد الصلاة.
قال المؤلف: هذا صحيح؛ لأن الفرض في ستر العورة في الصلاة قد سقط عنه لعدم القدرة عليه في الوقت الذي صلاها فيه، إذ هو وقت الوجوب على الصحيح من الأقوال.
هذا إذا قلنا إن ستر العورة من فرائض الصلاة. وأما على القول بأنها فرض في الجملة لا تختص بالصلاة فلا إشكال في أنه لا إعادة عليه أصلا.

.مسألة الرجل يعرض له المرض فيصلي قاعدا ثم يذهب ذلك عنه:

وسئل: عن الرجل يعرض له المرض فيصلي قاعدا ثم يذهب ذلك عنه وهو في الوقت، هل يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد الصلاة.
قال محمد بن رشد: الكلام في هذه المسألة كالكلام في التي قبلها لما سقط عنه فرض القيام بعدم قدرته عليه في الوقت الذي صلاها فيه وهو مأمور بالصلاة فيه أجزأته ولم تكن عليه إعادة، وبالله التوفيق.

.مسألة تفوته ركعة من صلاة العيد فيجد الإمام قائما في الركعة الثانية يقرأ:

قال ابن القاسم في الذي تفوته ركعة من صلاة العيد فيجد الإمام قائما في الركعة الثانية يقرأ، قال: يكبر تكبيرات، وقال ابن وهب: لا يكبر إلا تكبيرة واحدة.
قال محمد بن رشد: وجه قول ابن القاسم أن التكبير لما كان مما لا يحمله عنه الإمام وجب أن يفعله ما لم يفته وقته بركوع الإمام، ووجه قول ابن وهب أن وقته قد فاته لما فاته لما يلزمه من استماع قراءة الإمام، لقوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، وهو الأظهر، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة نسي صلاتين ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد ولا يدري:

ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
وسئل: عمن نسي صلاتين ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد ولا يدري الظهر للسبت والعصر للأحد أو الظهر للأحد والعصر للسبت، قال: أما أنا فأقول وهو رأيي: أن يصلي أربع صلوات ظهرا للسبت ثم عصرا للأحد ثم عصرا للسبت ثم ظهرا للأحد.
قال ابن رشد: وإن شاء صلى الظهر والعصر للسبت ثم الظهر والعصر للأحد، فقد قال ذلك ابن حبيب، وهو صحيح أيضا؛ لأن ذلك يأتي على شكه، وهذا يأتي على مذهب من يعتبر تعيين الأيام المنسيات فيها الصلوات، ولا يعتبر ترتيب الصلوات الفائتات، وهو مذهبه في المدونة أنه لا يعتبر الترتيب في الصلوات الفائتات، خلاف ما يأتي في رسم بع ولا نقصان عليك، وعلى مذهب من يعتبر الوجهين جميعا؛ لأن اعتبار الترتيب داخل تحت اعتبار التعيين.
وأما على مذهب من لا يعتبر الترتيب ولا التعيين فيصلي ظهرا وعصرا لا أكثر.
وأما على مذهب من يعتبر الترتيب دون التعيين فيصلي ظهرا وعصرا ثم ظهرا وعصرا.
ولو نسي ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد لا يدري أيتهما للسبت ولا أيتهما للأحد، ولا إن كانت السبت قبل الأحد أو الأحد قبل السبت من جمعة أخرى لتخرج ذلك على أربعة أقوال: أحدها: أن لا يعتبر التعيين ولا الترتيب فيصلي ظهرا أو عصرا لا أكثر، والثاني: أن يعتبر التعيين والترتيب جميعا فيصلي ظهرا وعصرا للسبت ثم ظهرا وعصرا للأحد، ثم ظهرا وعصرا للسبت، وإن بدأ بالأحد ختم به، والثالث: أن يعتبر التعيين دون الترتيب فيصلي ظهرا وعصرا للسبت وظهرا وعصرا للأحد، والرابع: أن يعتبر الترتيب دون التعيين، فيصلي ظهرا ثم عصرا ثم ظهرا، أو عصرا ثم ظهرا ثم عصرا، ثم يختم بالذي بدأ به، وهذا كله بين، وبالله التوفيق.

.مسألة إمام نسي القراءة في ركعتين:

وقال في إمام نسي القراءة في ركعتين: إنه يعيد ويعيدون متى ذكروا في الوقت وغير الوقت، وإن ذكر في صلاة قطع وابتدأ.
قال المؤلف: لم يختلف قول مالك في أن من لم يقرأ في ركعتين أعاد أبدا.
وقوله: وإذا ذكر وهو في صلاة قطع وابتدأ، يريد: بسلام، وظاهره على أي حال كان.
وحكم الفذ حكم الإمام في الإعادة والقطع.
واختلف قول مالك إذا ترك القراءة في ركعة واحدة، فقال مرة: يسجد لسهوه قبل السلام، ولا يعيد. وقال مرة: يسجد له ويعيد، وقال مرة: يلغي الركعة ويسجد بعد السلام.
قيل: كانت الصلاة من أي الصلوات كانت، وقيل: إنما هذا إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية، وأما إن كانت صلاة هي ركعتان فلم يختلف قوله إنه يعيد الصلاة.
والقول الأول هو ظاهر المدونة، واختلف اختيار ابن القاسم، فمرة أخذ بالإلغاء، ومرة أخذ بالإعادة.
فعلى القول بالإعادة إن ذكر أنه لم يقرأ قبل أن يركع استأنف القراءة وسجد بعد السلام، وإن ذكر ذلك بعد أن ركع وقبل أن يرفع فقيل إنه يقطع، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه ينصرف إلى القيام فيقرأ ويركع ويسجد بعد السلام، وهو قوله في سماع سحنون.
وهذا على الاختلاف في عقد الركعة هل هو بالركوع أو بالرفع منه.
وإن ذكر بعد أن رفع رأسه من الركوع قبل أن يسجد قطع، وإن ذكر بعد أن سجد فمرة قال: يقطع، وهو قوله في سماع أبي زيد، ومرة قال: يتم ركعتين، وهو قوله في كتاب ابن المواز.
وإن ذكر وهو واقف في الثانية رجع إلى الجلوس وسلم.
وإن ذكر بعد أن صلى الثلاثة أتم الرابعة وسجد قبل السلام وأعاد الصلاة، وعلى القول بالإلغاء إن ذكر أنه لم يقرأ قبل أن يتم الركعة بسجدتيها ألغى ما مضى فيها واستأنف القراءة من أولها، وإن ذكر وهو واقف في الركعة الثانية جعلها الأولى وألغى الأولى التي لم يقرأ فيها.
وكذلك إن ذكر وهو قائم في الثالثة أنه لم يقرأ في الأولى جعلها ثانية وقرأ فيها بالحمد وسورة، وجلس وتشهد وسجد بعد السلام.
وإن ذكر ذلك بعد أن ركع في الثالثة، وإن لم يرفع رأسه من الركوع تمادى وجعلها ثانية وجلس وتشهد وسجد قبل السلام.
وكذلك إن ذكر ذلك بعد أن قام من الثالثة وهو واقف في الرابعة جعلها ثالثة وسجد قبل السلام.
وأخذ أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ بالإعادة في الركعة الواحدة وبالإلغاء في الركعتين والثلاث، إذ لم يختلف قول مالك في أن من ترك القراءة في ركعتين فما زاد: إنه يعيد.